تعتبر زيارة المريض والدّعاء له بالشّفاء من حقّ المسلم على أخيه المسلم، وقد حثّنا رسولنا الكريم على الدّعاء بالخير لإخواننا، وأوصانا بزيارتهم خاصّةً عند المرض، والدّليل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ. وفي رواية: خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ". وقد رفع علماء المسلمين درجة زيارة المريض والدّعاء له إلى درجة الوجوب؛ لأنّ الله عزّ وجل قريبٌ مجيبٌ لدعواتنا، فيجب علينا ألّا نبخل على من نحبّ من الأقارب والأحباب في الدّعاء لهم بالشّفاء، ورفع الشدّة عنهم، ممّا يؤدّي إلى زيادة المحبّة والتّرابط بين النّاس، ونيل رضا الله تعالى ورسوله الكريم. ومن هذه الأدعية التي يُستحبّ الدّعاء للمريض بها:
أذهب البأس ربّ النّاس، واشفِ وأنت الشّافي، لا شفاء إلّا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً.
أذهب البأس ربّ النّاس، بيدك الشّفاء، ولا كاشف له إلّا أنت يا ربّ العالمين، آمين.
اللهمّ إنّي أسألك من عظيم لطفك، وكرمك، وسترك الجميل، أن تشفيه وتمدّه بالصّحة والعافية. اللهمّ لا ملجأ ولا منجا منك إلّا إليك، إنّك على كلّ شيءٍ قدير.
ربّ إنّي مسّني الضرّ، وأنت أرحم الرّاحمين. اللهمّ ألبسه ثوب الصّحة والعافية، عاجلاً غير آجلٍ يا أرحم الرّاحمين. اللهمّ اشفه، اللهمّ اشفه، اللهمّ اشفه، اللهمّ آمين. اللهمّ ربّ النّاس، مذهب البأس، اشفه أنت الشّافي، لا شافي إلّا أنت.
اللهمّ اشفه شفاءً ليس بعده سقمٌ أبداً، اللهمّ خذ بيده، اللهمّ احرسه بعينك الّتي لا تنام، واكفه بركنك الذي لا يرام، واحفظه بعزّك الّذي لا يضام، واكلأه في الليل وفي النّهار، وارحمه بقدرتك عليه، أنت ثقته ورجائه يا كاشف الهم، يا مفرّج الكرب، يا مجيب دعوة المضطرّين.
فوائد المرض
أنّه تهذيبٌ للنّفس، وتصفيةٌ لها من الشّر الذي فيها، قال تعالى: "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ"، الشّورى/30، وأخرج البخاريّ عن أبي هريرة أنّ النّبي قال: "ما يصيب المؤمن من وصبٍ ولا همّ ولا حزنٍ ولا أذى، حتى الشّوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه".
أنّ ما يعقبه من اللّذة والمسرّة في الآخرة أضعاف ما يحصل له من المرض، فإنّ مرارة الدّنيا حلاوة الآخرة والعكس بالعكس، وقد أخرج التّرمذي عن جابر مرفوعاً، قوله صلّى الله عليه وسلّم:"يودّ النّاس يوم القيامة أنّ جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدّنيا، لما يرون من ثواب أهل البلاء".
أنّه يُظهر أنواع التّعبد، فإنّ لله على القلوب أنواعاً من العبوديّة، كالخشية وتوابعها، وهذه العبوديّات لها أسباب تهيّجها، قال تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ"، الحجّ/11، ويروى أنّه لمّا أصيب عروة بن الزبير بالأكلة في رجله قال: "اللهمّ كان لي بنون سبعة، فأخذت واحداً وأبقيت ستةً، وكان لي أطراف أربعة فأخذت طرفاً وأبقيت ثلاثةً، ولئن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت، ثمّ نظر إلى رجله في الطّست بعدما قطعت فقال: إنّ الله يعلم أنّي ما مشيت بك إلى معصية قطّ وأنا أعلم".
أنّه إحسانٌ ورحمةٌ من الرّب للعبد، فما خلقه ربّه إلا ليرحمه، لا ليعذّبه، قال تعالى: "مَا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً"، النّساء/1477.
الحكمة من المرض
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السّنة النّبويّة: "خلقُ أحد الضّدين ينافي خلق الضّد الآخر، فإنّ خلق المرض الذي يحصل به ذلّ العبد لربه، ودعاؤه، وتوبته من ذنوبه، وتكفيره خطاياه، ويرقّ به قلبه، ويذهب عنه الكبرياء، والعظمة، والعدوان، يُضادّ خلق الصّحة التي لا يحصل معها هذه المصالح، وكذلك خلق ظلم الظّالم الذي يحصل به للمظلوم من جنس ما يحصل بالمرض، يُضادّ خلق عدله الذي لا يحصل به هذه المصالح، وإن كانت مصلحته هو في أن يعدل، وتفصيل حكمة الله في خلقه وأمره يعجز عن معرفتها عقول البشر".
وما ذكره الطّحاوي ـ رحمه الله ـ في عقيدته، حيث قال: "أصل القدر سرّ الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، والتّعمق والنّظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلّم الحرمان، ودرجة الطّغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً، وفكراً، ووسوسةً، فإنّ الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه"، كما قال تعالى في كتابه: "لا يُسأل عمّا يفعل وهم يسألون"، فمن سأل: لم فعل؟ فقد ردّ حكم الكتاب، ومن ردّ حكم الكتاب كان من الكافرين".
تعليقات
إرسال تعليق