إن المداومة على الذكر تحيي القلوب وتوقظها، وتبعث الطمأنينة والسكينة في النفوس، وتورث أصحابها حالة من الرضا والأنس وهدوء البال، يقول تعالى: "الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد:28). أي -كما يقول ابن كثير- أي تطيب وتركن إلى جانب الله، وتسكن عند ذكره، وترضى به مولى ونصيراً، ولهذا قال: "أَلاَ بِذِكْرِللَّهِ تَطْمَئِنُّ لْقُلُوبُ".
للذكر فضائل كثيرة، منها ذلك الحديث الذي تضمن تلك المحاورة بين الرب سبحانه وبين ملائكته الكرام إظهاراً لفضل مجالس الذكر، وبياناً لمكانة الذاكرين عند ربهم، وما أعده لهم من الأجر العظيم والثواب الجزيل.
يشير القرآن الكريم في معرض ذكره لصفات المتقين إلى صفة لهم تبين ما سبق ذكره، يقول تعالى: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون" (آل عمران :135). ويقول سبحانه: "إن الذين اتقوا إذا مسهم طآئف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون" (الأعراف: 201).
يستفيد الذاكر، المواظب على وظائف الذكر وأوراده طاقة إيمانية خاصة حيث تنبعث الروح متوثبة في كل عمل من أعمال البر والطاعة التي يواقعها، فالمسلمون في أداء عباداتهم ليسوا سواء، فإنك ترى المصلين في الصف الأول يتساوون ويتشابهون في أداء أركان الصلاة وواجباتها وسننها وأعمالها الظاهرة، على فروقات بينهم، غير أنهم يتفاوتون في رفع صلاتهم وقبولها عند ربهم بحسب ما يقوم في قلوبهم من تعظيم للرب واستحضار لجلال عظمته، فالمصلون كلهم يتلون في كل ركعة قوله تعالى: "إياك نعبد وإياك نستعين"، فهل يستوي حال من يستحضر أنه يخاطب ربه مع من هو شارد القلب، يستحضر في صلاته كل ما يعجز عنه خارجها؟!.
حاجة المسلم إلى مجالس الذكر والتذكير كحاجة السمك إلى الماء، لأنها محل الحياة لها، وكذلك فإن حياة القلوب وتزكيتها وطهارتها تكون بملازمة تلك المجالس، وترويض النفس على المداومة على الأذكار والأدعية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت". وفي رواية مسلم "مثل البيت الذي يُذكر الله فيه والبيت الذي لا يُذكر اله فيه مثل الحي والميت".
تعليقات
إرسال تعليق